ينتقل فيروس غرب النيل على نطاق أوسع في المناخات الأكثر دفئاً، حيث تسمح درجات الحرارة المرتفعة والاستوائية للبعوض الذي يحمله بالانتعاش. ويتزايد قلق خبراء الصحة من أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم انتشار الفيروس في الأماكن الأقل شيوعاً لانتشاره، بل ونقله إلى أماكن جديدة. ويعد الفيروس، وهو السبب الرئيسي للأمراض التي ينقلها البعوض في المناطق القارية بالولايات المتحدة، خطيراً بشكل خاص خلال موسم البعوض الذي يبدأ مع الصيف وحتى الخريف.

وقالت عالمة الأوبئة بولاية كولورادو، راشيل هيرليهي، إن «عدد البعوض الحامل لفيروس غرب النيل الذي اكتشفناه هذا الموسم هو أعلى ما شهدناه منذ سنوات». وبالنسبة لمعظم الناس، لا يسبب الفيروس أي مرض خطير ولا يحتاج إلى علاج. لكن في نحو حالة من كل 150 حالة، قد يؤدي إلى التهابات خطيرة في الدماغ والجهاز العصبي. وإليكم أهم ما يتعين معرفته: ما فيروس غرب النيل وما أعراضه؟

تقول منظمة الصحة العالمية إن الفيروس الذي ينتقل أساساً إلى البشر من خلال لدغة البعوض الحامل للفيروس، تحافظ عليه الطبيعة في دورة تنطوي على انتقال بين الطيور والبعوض.

والفيروس لا ينتقل من فرد من البشر إلى آخر. ومعظم المرضى لا يعانون من أعراض، لكن يصاب البعض بالصداع وآلام المفاصل والطفح الجلدي والقيء أو الإسهال، وفقاً للمراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها. ومن بين هذه الحالات، يتعافى معظم المرضى تماماً، على الرغم من أن التعب قد يستمر لأسابيع أو شهور. وفيروس غرب النيل هو أحد مسببات الأمراض البشرية المرتبطة بفيروسات مماثلة، بما في ذلك حمى الضنك وزيكا والحمى الصفراء.

وتقول السلطات الصحية إن نحو 80 بالمئة من الإصابات التي تصيب البشر لا تظهر عليها أعراض. وقد يصاب عدد قليل من الأشخاص بمرض شديد يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، مثل التهاب السحايا الذي يصيب الأغشيةَ المحيطة بالمخ والحبل الشوكي، وقد يودي بالحياة في حالات نادرة، بحسب المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها.

أين يكثر انتشار فيروس غرب النيل وأين أحدث الحالات؟ تم اكتشاف الفيروس لأول مرة في عام 1937 في منطقة غرب النيل في أوغندا، ومنذئذ، رُصدت حالات في جميع أنحاء العالم.

وذكر ستيفن راي، المحاضر في أمراض الأطفال المعدية بجامعة أكسفورد، أن الفيروس ينتشر عادة في المناطق المعتدلة مثل آسيا وأفريقيا. ومضى يقول إنه نتيجة الاحتباس الحراري، «أعتقد أن هناك قلقاً حقيقياً من احتمال تزايد الأرقام» في الولايات المتحدة وأوروبا. وذكرت منظمة الصحة العالمية أنه منذ ظهوره لأول مرة في مدينة نيويورك عام 1999 ثم انتشاره عبر الولايات المتحدة، تم رصد الفيروس في مجال واسع يمتد من كندا إلى فنزويلا.

وتظهر بيانات المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، أن معظم الحالات التي رصدتها الولايات المتحدة هذا العام كانت في أريزونا وتكساس ونبراسكا وكاليفورنيا. وفيروس غرب النيل هو «حالة يجب الإبلاغ عنها على المستوى الوطني» في الولايات المتحدة، مما يعني أنه يتم تشجيع الإدارات الصحية بالولايات والإدارات المحلية على إبلاغ المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها. وفي العام الماضي، رُصدت 1126 إصابةً و90 حالة وفاة في البلاد.

وهذا العام، تم الإبلاغ عن 126 إصابة حتى الآن. وأكدت وزارة الصحة العامة والبيئة في كولورادو في الأيام القليلة الماضية أول حالة وفاة بالفيروس هذا العام في منطقة ويلد كاونتي.

وأشارت الوزارة إلى أن «وفرة» البعوض كانت «على الأرجح بسبب الكمية الاستثنائية من هطول الأمطار خلال الشتاء والربيع»، ووصف المسؤولون الاتجاهات بأنها «غير مسبوقة». وأبلغت السلطات أيضاً عن ظهور الفيروس في أماكن جديدة، مثل جنوب غرب فرنسا، وخلال موسم الانتقال عام 2023، رصدت دول الاتحاد الأوروبي 41 إصابة بشرية على الأقل بالفيروس، كانت من بينها حالات في إيطاليا واليونان وفرنسا والمجر. وأشار مركز السيطرة على الأمراض الأوروبي إلى رصد حالتي وفاة في اليونان وثالثة في إيطاليا.

هل حالات الإصابة بفيروس غرب النيل في ارتفاع؟ وهل ترتبط بتغير المناخ؟ يرى خبراء الصحة أن تغير المناخ، مع هطول الأمطار الغزيرة وموجات الحرارة الشديدة، عامل قد يجعل الفيروس يظهر في مناطق جديدة أو يصبح أكثر انتشاراً في الأماكن التي يقل فيها شيوعه عادة. ويرى راي، المحاضر في جامعة أكسفورد، أن تغير المناخ سيجعل من «الحتمي» زيادة الإصابات في المناطق المدارية في أماكن مثل شمال أوروبا وأن السلطات الصحية تستعد لمثل هذه الاحتمالات.

وترى لورا مارتن سانشو، المحاضرة في علم الفيروسات الجزيئي والباحثة في إمبريال كوليدج لندن، أن «ارتفاع درجات الحرارة بسبب تغير المناخ أدى إلى اتساع التوزيع الجغرافي وطول موسم انتقال العدوى». وأضافت مارتن سانشو أنه في أوروبا، على مدى العقود القليلة الماضية، رصدت أكثر من 20 دولة حالات تفش أو إصابات متفرقة بفيروس غرب النيل.

وكيف يتم فحص فيروس غرب النيل؟ وهل هناك علاجات له؟ يتطلب اختبار الفيروس عينة دم لمعرفة ما إذا كانت هناك أجسام مضادة، وهو ما يتم عادة بعد ثلاثة إلى ثمانية أيام من بداية الإصابة بالفيروس. وإذا كانت الأعراض شديدة، فقد يتبعها البزل النخاعي أو البزل القطني للتحقق من علامات العدوى. ولا يوجد لقاح للفيروس، لكن العدوى تختفي من تلقاء نفسها بالنسبة لمعظم الناس. ويعتقد راي، وهو عضو في مجموعة أكسفورد للقاحات ومجموعة ليفربول لإصابات الدماغ التي تعمل على تطوير اللقاحات والاستعداد لتفشي الأمراض في وقت مبكر، أنه لا داعي للقلق من المرض الذي يكون من دون أعراض لمعظم الناس.

عديلة سليمان وإيلين فرانسيس*

*صحفيتان متخصصتان في التغير المناخي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»